יום רביעי, 13 ביולי 2011

رائدة التصوير الفوتوغرافي النسائي في فلسطين

                                                 كريمة عبود ... أول مصورة فوتوغراف بفلسطين 1940 - 1893
                                                   الاكتشاف الجديد للتصوير الفوتوغرافي وبصمات نسائية في بداية القرن العشرين   
مدخل
أول مدرسة لتعليم التصوير الشمسي في العالم العربي كانت في مدينة القدس، فقد افتتح الأسقف الأرمني يساي غرابيديان المدرسة في أواخر خمسينيات القرن التاسع عشر وتخرج منها مصورون، ما لبثوا أن حلّوا محل المصورين الأجانب وسيطروا على السوق التجارية في أواخر القرن الماضي ومطلع القرن الحالي. كان غرابيديان قد أمضى شبابه في إستنبول ثم توجه إلى القدس سنة 1844م، حيث بدأ الدراسة وبقي في المدينة حتى سنة 1859م، وأمضى تلك الفترة في تجارب عن التصوير الضوئي في كاتدرائية سانت جيمس للأرمن، بعدها عاد إلى إستنبول، وأمضى أربعة أشهر تدرب فيها على أساليب التصوير ومن ثم عاد إلى القدس، وتحتفظ الكنيسة الأرمنية في القدس إلى الآن بمجموعة من الصور التي قام بتوقيعها سنة 1860م. وفي سنة 1863م، توجه غرابيديان إلى أوروبا وزار لندن وباريس واطلع على أحدث الأساليب في صناعة الصور، ومع تعيينه بعد عودته إلى القدس سنة 1865م بطريركاً، إلا أن ذلك لم يحل دون مواصلة نشاطه في التصوير، وقد أشار الرحالة الفرنسي جول هوش سنة 1844م إلى دور يساي غرابيديان في تدريس التصوير بقوله: "في استوديو البطريركية الأرمنية، يدرّس يساري غرابيديان بعض الشباب الأرمن من أنحاء الإمبراطورية علم التصوير، وخلال فترة توليه مهام البطريركية الأرمنية (1865 - 1885)، ازدهر فن التصوير الفوتوغرافي في سورية وتفوق من بين تلامذة غرابيديان كل من: الأخوين غرابيد وكيفورك كريكوريان، وأول فنان فوتوغرافي عربي محترف خليل رعد. وكان كيفورك كريكوريان يعمل في استوديو الكنيسة الأرمنية ويلتقط صوراً (بورتريه)، كان يطلق عليها اسم "صورة الهيئة" وكان يوقع صوره بـ: "كريكوريان مصور شمس، القدس الكنيسة الأرمنية".



                                                                                                  انتشار الصور الفوتوغرافية في الشرق العربي  |               

توسع مجال التصوير وانتشر في القرن العشرين، إذ حملت الصور الفوتوغرافية التي التقطت في النصف الثاني من القرن الماضي وبداية القرن العشرين قيماً فنية معينة، وذلك على الرغم من انشداد معظم المصورين الأجانب إلى النواحي الفولوكلورية والانتروبولوجية التي كانت تجد لها رواجاً كبيراً في السوق الغربية. وأسهم "صندوق استشكاف فلسطين" على وجه الخصوص مساهمة كبرى في تعميق "المعرفة البريطانية" بالمنطقة، وكانت الخرائط التي أعدت بحجة "كشف الماضي" في الواقع، خرائط مستقبلية للمنطقة، استعملها الجنرال اللنبي خلال هجومه على الأتراك ودخوله القدس سنة 1918، أثناء الحرب العالمية الأولى. وهكذا توضحت "الأهداف العلمية" للبعثات البريطانية، مع التأكيد على أن كتابات الضباط الذين أشرفوا على عمليات المسح كانت من صلب الاتجاه الأيديولوجي القائل بتطوير فلسطين، وإفساح المجال لليهود للقيام بذلك.

ومع تسلل هذا الاختراع الجديد إلى الشرق العربي، قام رجال الدين بالنظر إليه على أنه بدعة من عمل الشيطان من باب تناسخ الروح ونقل الواقع للخيال. لقد كان هناك الكثير من المعتقدات والأعراف المتبعة السائدة التي انتشرت وعاشها الفرد العربي في فلسطين إبان العهد العثماني، وهنا لا بد أن نتساءل: هل كان هذا الاختراع المفاجئ والذي كانت بداياته قبل 155 عاماً مثيراً للجدل؟ وهل كانت المرأة مطالبة بالتنحي جانباً عن عدسة الفوتوغراف، وعلينا أن نسأل عن دورها في هذه الحرفة، أو الهواية، إن صح التعبير.

لا شك أن التصوير الفوتوغرافي في حداثته الأولى في منتصف القرن التاسع عشر، لم يجنِ ثماره من المرأة وخاصة العربية الفلسطينية، وذلك بسبب منظومة التقاليد العربية المحرّمة وبشكل قاطع وقوف المرأة أمام هذه العدسة وهذا الاختراع الجديد الذي لم تعتد عليه من قبل. كما أن المرأة الفلسطينية تفتقر في كثير من الجوانب الحياتية، خاصة مشاركتها الاجتماعية ضمن الكيان الفلسطيني، كحقها في التعليم الكامل؛ وحقوقها مقارنة بالذكور من أبناء العائلة؛ مشاركتها في اتخاذ القرار؛ وهناك من الفتيات من لم تجرؤ على اتخاذ أي قرار، وخاصة بما يتعلق بمراسيم خطوبتها أو زواجها. وفي ظل هذه المناسبات الفرحة، لم تلتقط المرأة فرحتها وتحفظها للتاريخ على كربون التصوير الفوتوغرافي، الذي كان متوفراً بين المدن وحتى القرى. إلا أنه حُرّم لأسباب تقليدية واجتماعية، على رأسها عدم السفور والاحتشام أمام الغرباء. وكانت فلسطين قد شهدت نقلة غريبة من اللقطات الفوتوغرافية لصور نساء القرى المحيطة بالمدن الرئيسية من بعض أبرز المصورين الفوتوغراف أريك ماتوسون، الذي استطاع التقاط آلاف الصور الحيّة للكثير من النساء التي تظهر أعمالهن في مجالات متعددة، كالزراعة والفلاحة وغيرها من التراثيات، التي كانت غاية هؤلاء المستشرقين وخاصة من المجتمع الشرقي. هناك استثناءات في هذا المجال حيث كان المصورون الذين يحضرون لفلسطين يقومون بعملية نقل حي لكل مجريات الحياة بفلسطين، وأكثرها السياسية ومن ثم الاجتماعية والشعبية. طبعاً في ظل هذه الظروف والمناسبات لم تشترك المرأة ولم تظهر بها وكانت العدسة من نصيب الرجال فقط. ومع كل هذه البدايات غير المُرضية لكينونة المرأة الفلسطينية وقدراتها المدفونة، تأتي كريمة عبود لتتفوق على هذه الحرفة، لتصبح حرفة نسائية وذات طابع خاص، وهذه المرة بدون رجال. فبما أن الحديث يدور عن التصوير الفوتوغرافي، وخصوصاً بما يتعلق بالمرأة في فلسطين، لا بد من الإجابة والإشارة إلى أن أبرز من احترف هذه الحرفة وكانت لها قواعد ومنظومة خاصة هي كريمة عبود، التي كان لها وما زال بصمات رسمتها عدستها خلال القرن العشرين.




                                                                                                            سيرة كريمة عبود ونشأتها وجذورها |  


كريمة عبود "1893– 1940"، ابنة لعائلة لبنانية الجذور وفلسطينية المولد، نزح ذووها إلى مدينة الناصرة في منتصف خمسينيات القرن التاسع عشر. تنحدر عائلة عبود أو "الأشقر" من خيام مرج عيون وهي إحدى قرى النبطية بلبنان، إذ قرر أحد أفرادها ويدعى دعيبس أن يستقر في شمال فلسطين، فقد كان مبشراً للفكر الإنجيلي في مناطق لبنان والسودان، كما دون في مخطوطة تقع في 100 صفحة، وهي عبارة عن ترجمة لحياة العائلة ومسيرة أبنائها وبالأخص سليم دعيبس عبود[1] وإخوته أسعد وسعيد وسليمان وأمين؛ نُشرت سنة 1908، حين وفاة الدكتور فارتن مؤسس المستشفى الإنجليزي في بعثة (إدنبرة) في مدينة الناصرة. حيث ورد في بداية الكتاب الذي أسماه "ذكرى الصديق المباركة": "ينحدر تاريخ آل عبود من خيام مرج عيون وما جاورها في تلك المناطق. وهم مرتبطون بالمذهب الإنجيلي منذ قديم الأزمان".

ومن أجداد العائلة أيضا ظاهر عبود الذي تعرف سنة 1850 على يعقوب الحكيم وهو طبيب ومبشر ينتمي إلى الطائفة الإنجيلية،[2] وكانت مهنته التلقيح ضد مرض الجدري الذي كان منتشراً في تلك الفترة. بدأ يعقوب هذا بإطلاعه على مبادئ المذهب الإنجيلي من خلال أمهات الكتب التي نشرها المرسلون، فاقتنع ظاهر بصوابها وأخذ بها وأصبح يغرسها في عقول رفاقه وأبناء عائلته. ويبدو أنه عانى وواجه الصعوبات من خلال اعتناقه لذلك المذهب، حيث هاج عليه الأكليريوس وسلطوا عليه سخطهم، فنفر منه أبناء عائلته وأبناء عمومته.
 
ويتضح من خلال الوثائق التي عثرنا عليها من الكثير من المؤسسات والبيوت والأفراد أن مولد ومنشأ كريمة عبود كان في بيت لحم وليس في مدينة الناصرة، وكانت الناصرة هي المحطة الرئيسية لعائلتها وأعمامها الذين سكنوا بها منذ سنة 1850، وما زال القسم الأكبر هناك، حيث سافر والدها سعيد عبود الذي عمل مبشراً في الكثير من المناطق العربية، منها الأردن والسودان وفلسطين، ومن ضمنها الكنيسة اللوثرية في بيت لحم، ابتداءً من سنة 1891 وحتى 1947، حيث عُين قسيساً لرعية كنيسة بيت لحم .




                                                                                                                  بداية القصة "واكتشاف المجموعة      

في صيف 2006، أعلن جامع مقتنيات قديمة، وهو إسرائيلي من مدينة القدس، كما تبيّن لي لاحقاً؛ أعلن في جرائد عربية محلية، يسأل عن مجموعة صور تحمل توقيع مذيل باسم المصورة كريمة عبود، طالباً المساعدة بالعثور على تاريخ وجذور هذه المصورة الفلسطينية. ورشح أن الجامع المذكور قد حصل على الصور بطريقة غير معروفة حتى الآن، أو أنه قام بشرائها من تاجر للمقتنيات القديمة. إذ فوجئت بهذا الإعلان من قبل هذا الشخص. كان نص الإعلان: "أن من لديه أي معلومات عن مصورة فوتوغراف كانت تعمل في الناصرة وعن عائلتها فليخابرني عنها على الرقم المذيل بالإعلان...".

فما كان مني إلا أن أتابع الموضوع بشغف كبير، وسارعت بالاتصال به على الفور معلناً أنني مهتم بهذه المواضيع وبهذا التراث بشكل عام، وأنه كما يبدو، لدي بعض من أعمال هذه المصورة جديدة الاسم على مسامعي، والتي اكتشفت اسمها المفاجئ عن طريق هذا الإعلان. وقد تم التواصل بيننا في مدينة الناصرة، وجاء من القدس حاملاً في جعبته أربعة ألبومات من الحجم المتوسط من أعمال المصورة الفلسطينية كريمة عبود، وهي فعلاً نادرة، وما يميزها أنها مذيلة بختمها واسمها بالعربية والإنجليزية "كريمة عبود – مصورة شمس".

كانت المقابلة عبارة عن استفسارات من هذا الشخص الذي كان غامضاً إلى أبعد الحدود، ولم يسعَ إلى التحدث بشكل عفوي حول هذه المجموعة وعن سبب وقوعها في حوزته وفي أي منطقة من بلادنا، إلا أنه ومن خلال المحادثات التي تمت بيننا كانت النتيجة أن هذا الشخص هو من محبي اقتناء الصور والأدوات التاريخية ويعمل على جمعها منذ سنوات كثيرة، وعنده من الصور التاريخية لمصورين فلسطينيين ومستشرقين ألبومات كاملة في بيته بالقدس الغربية؛ لذلك كان بحاجة إلى البحث عن هذه المصورة التي تدعى كريمة عبود، خاصة أنها عنصر نسائي، وأن مجموعتها تميزت بطابع مغاير عن هؤلاء المصورين الذين عاشوا في نفس الحقبة الزمنية التي عاشتها؛ فبينما هم كانوا يُولون الأرض والآثار والمقدسات كل الاهتمام، كانت عدسة كريمة تسلط الضوء على النساء والأطفال والبشر بدءاً من العائلة والمجتمع في محاولة لتوثيق ما أهمله المستشرقون الأوروبيون، وخاصة التصوير الصهيوني الذي كان منتشراً في فلسطين، والذي أهمل تماماً المشهد الاجتماعي العربي بفلسطين.

ومن باب الفضول سألته عن مصدر هذه الصور؟ فلم تكن هناك أية إجابة. وكان له عدة أسئلة بالمقابل عن هذه السيدة ومولدها، ومن تكون وأين باقي عائلتها وصورها. تبين لي من خلال أسئلته أنه لا يملك سوى الأعمال والصور الخارجية لعبود، التي كانت تلتقطها لمناظر عديدة لبعض المدن والقرى الفلسطينية أثناء تجوالها في أيام الأحد، اليوم التي كانت تغلق فيه الأستوديو وتقوم بجولاتها كما كانت تحب مع صديقاتها وبنات عمومها من الناصرة متيل وشفيقة بنات دعيبس. قمت بتصفح الألبوم بشكل دقيق ومشاهدة الصور التي تبين أنها لخمس مدن رئيسية: بيت لحم ومعالمها كقبة راحيل؛ وطبريا وشواطئها وأسواقها وكنائسها وجوامعها؛ والناصرة كذلك الأمر؛ ومدينة حيفا حيث كان لها الكثير من الصور الجميلة، كجبال الكرمل والساحل والبلدة القديمة وأيضا ميناء حيفا وسكة الحديد وغيرها.

ونظراً لمساعدة بعض الناس لهذا الشخص، فقد أشاروا له أن عائلة عبود هي من الناصرة ولربما تكون هناك أي تشابك بين الاسم.

بعد هذا اللقاء والمشهد المستفز!، باشرت بالبحث عن كل شيء له علاقة بهذه المصورة وعن آثارها وكل ما يتعلق بها كنوع من التحدي ، علّني أجد شيئاً ما زال مفقوداً من تراث هذه المصورة المثيرة للجدل التي كان لها الكثير من الأعمال الفوتوغرافية المنتشرة في كل من المدن والقرى الفلسطينية، والتي وصلت إلى أيدي هذا الشخص، أغلب الظن، من طرف عربي عن طريق البيع، وهو ما كان سائداً في الفترات الأخيرة وخاصة في الأسواق، مثل أسواق يافا وحيفا والقدس. وعلى أي حال إن ما يمتلكه هذا الشخص يمثل المجموعة الثانية من أعمال كريمة عبود، وهي بلا شك هامة، ولكن الحصول على هذه المجموعة أمر شبه مستحيل حتى الآن.

تتوالى الأحداث بشكل سريع ويتحول هذا البحث إلى تحدٍ ثم إلى بحث ذي صدى، حيث كانت الصدفة بأن ألتقي بطرف خيط أوصلني إلى مجموعتها الثمينة والذي سيتعرف عليها أبناء فلسطين والعالم العربي.



                                                                                         عائلة عبود في الناصرة ومجموعة كريمة عبود الجديدة 



كانت مفاجأة ثانية بالنسبة لي، فقد حصلت على ألبومات من عائلة عبود في الناصرة، التي برزت من خلالها أعمال كريمة عبود بشكل متكرر، ومذيلة بالعربية وأخرى بالإنجليزية بنفس الختم الذي شاهدته بمجموعة ذلك الشخص. كانت هذه المجموعة من نوع آخر، فهي توثق أعمالاً لنساء وأطفال، وهناك صور كثيرة داخل وخارج الأستوديو، كان أولها سنة 1913 لامرأة من مدينة بيت لحم ترتدي الزي الإفرنجي وتمسك بيدها اليمين مظلة وترتدي قبعة كبيرة على رأسها، وعلى جانبها منظر خشبي ورسم زيتي مزخرف بالورد من خلفها وهو النظام والديكور المتبع للمصورين في تلك الفترة. وقد كتب على ظهر الصورة 1913 بيت لحم، ولم يعرف على وجه الدقة تفاصيل عن السيدة أو حتى اسمها.

تم الاتصال مع الكثير من أبناء عائلة عبود في الناصرة وغيرها للمباشرة في توثيق الرواية التاريخية والمبادرة لكتابة مقالة بشكل أولي حول هذه المجموعة المكتشفة وعن التصوير الفوتوغرافي، خصوصاً أن المحترف هو عنصر نسائي اكتشف حديثاً وسيكون مفاجأة لكل الباحثين ومحبي التراث الفلسطيني والتصوير الفوتوغرافي بشكل خاص. ورداً على هذا الطلب، استجابت العائلة بالناصرة وعلى رأسها السيد دعيبس عبود والد الموسيقار وعازف البيانو المشهور سليم عبود وزوجته المربية مها عبود–عودة؛ باستضافتي في بيتهم وتقديم كل ما يتطلب من معلومات ومجموعات من الصور الخاصة للمربية المرحومة متيل عبود ابنة عم كريمة في الناصرة، والتي كانت عبارة عن مجموعة صور عائلية تخص المربية متيل ومن بينها كان هنالك مجموعة كبيرة من أعمال كريمة عبود، بل إن الصور الخاصة بمتيل نفسها كانت من تصوير كريمة، ومذيلة بختمها "كريمة عبود – مصورة شمس".

و حول هذه المصورة التي تنتمي إلى عائلتهم، نفى السيد دعيبس وهو احد افراد عائلتها أن تكون كريمة قد ولدت في مدينة الناصرة، وأنه على الأقل لم يسمع أي رواية من والده ووالدته، إلا أنه سمع أن له أقرباء من قبل الجد في مدينة بيت لحم وأن الاحتمال أن تكون ابنة القس سعيد عبود، وهذا ما أكده القس رفيق فرح وهو رجل دين خدم كقس وواعظ في الكنيسة الإنجيلية في فلسطين في منتصف الأربعينيات، وأثناء مراسلات تمت بيني وبينه بهذا الخصوص، أكد أن سعيد عبود خدم في رعية بيت لحم في الكنيسة اللوثرية. كما أن المخطوط التاريخي للعائلة الذي يمتلكه السيد دعيبس هو المصدر الرئيسي الوحيد لسيرة هذه العائلة والذي اعتمدت عليه في هذه الدراسة، على الأقل للإشارة بوجود العائلة وسبب تنقلهم من منطقة الخيام في لبنان والسكن في مدينة الناصرة في خمسينيات القرن التاسع عشر.

أما بالنسبة لسيرة المصورة الفلسطينية الوحيدة التي احترفت هذه المهنة في زمن مبكر، فأثناء بحثي الميداني المتكرر داخل المؤسسات المسيحية كان لدي مشكلتين: الأولى، هي تحديد الطائفة التي تنتمي إليها؛ والمشكلة الثانية، هي في أي حقبة عاشت أو توفيت لتحديث سيرتها الذاتية وترتيب الفترات الزمنية التي عملت بها في هذا الفن، فقمت بالبحث بكافة سجلات المعمودية التي كانت في كنيسة المسيح للانجيليكان "البروتستانت" في الناصرة، وهي الطائفة التي ينتمي لها الفرع الذي يسكن الناصرة، ولكن للأسف لم يكن هناك أي أثر لها أو لوالديها أو شقيقاتها، الأمر الذي جعل البحث معقداً وأكثر صعوبة وتشكيك في كون هذه المصورة عربية فلسطينية، خاصة قبل 90 عاماً من هذا التاريخ، حيث قمت بإرسال عدة رسائل واتصالات مع إدارة الكاتدرائية ومطرانية القدس للانجليكان، علّني أجد شيئاً في أرشيفهم في القدس، لكن دون جدوى.

في بداية سنة 2008، بدأت بكتابة سلسلة من المقالات حول التصوير الفوتوغرافي النسائي وعن ظهور أول مصورة فوتوغراف فلسطينية لتعريف الباحثين ومحبي التراث بهذا الاكتشاف الهام، لاسيما مشاركتي في مؤتمر أُقيم في جامعة بير زيت بدعوة من مؤسسة الدراسات المقدسية في رام الله حول الأوراق والمذكرات العائلية بفلسطين، حيث كان لي الحظ أن أشترك بورقة مع كبار المؤرخين والباحثين وعلى رأسهم أ. د سليم تماري والدكتور عصام نصار، ومن خلالها تم نشر مقالة بالإنجليزية عن المصورة الفلسطينية كريمة عبود، وعن مجموعتها المكتشفة حديثاً، ونشرت في مجلة حوليات القدس بالطبعة الإنجليزية.

ولأهمية الموضوع نشرت المقالة في كثير من المواقع على الشبكة العنكبوتية، وتناقلتها الكثير من الصحف حتى وصلت بآخر المطاف لتدخل هذه المعلومات إلى الموسوعة الحرة بالعربية والإنجليزية، وقد أضيف إلى هذه المعلومات أن من قام باكتشاف هذه المعلومات باحث من الناصرة بعد أن انتزعها من جامع المقتنيات اليهودي، وأن قسماً كبيراً، منها موجود لدى الباحث مروات. وقٌدمت بعد ذلك دعوى قضائية لوحدة الغش والخداع ضدي، وبعد امتثالي في مكتب التحقيق في مدينة طبريا سألني المحقق عن هذه المجموعة ومصدرها، وأسئلة كثيرة حول أعمالي ونشاطاتي، وفي خلاصة التحقيق طلبت تفسير عن سبب التحقيق معي، ومن هو المشتكي؟ فقالوا لي أن الشخص الذي قابلك بالناصرة بالنسبة للمصورة كريمة عبود يدعي أنك قمت بتزوير صورها والختم المذيل في خلف الكرتون للصورة، وأن الصور ملكه.

بكل الأحوال كان جوابي أن هذا الشخص لا يمتلك إرث كريمة عبود، وأنه لا يوجد أي علاقة قربى أو صداقة بينه وبين هذه السيدة، ناهيك عن أنها سيدة مسيحية عربية وهو يهودي، لذلك فإن ما وقع بيده من صور خاصة لها، ليس إلا بمحض الصدفة أو التجارة بين جامعي المقتنيات، وعلى أثر هذا انتهى التحقيق ضدي، وتابعت إخفاء هذه المجموعات إلى أن جاءت الفرصة التي كنت أحلم بها بأن تخرج هذه المجموعات إلى النور في دراسة توثق تاريخ التصوير الفوتوغرافي النسائي في فلسطين وهذه المرة بأيدي امرأة اختارت أن تدخل هذا المعترك الصعب، وأن تترك بصماتها على الكثير من النيغاتيف والصور الصامتة التي بحوزتنا.

فقد ولدت كريمة، ابنة سعيد عبود، في بيت لحم سنة 1894 وهذا ما أكدته سجلات المعموديات الموجودة في الكنيسة اللوثريه في مدينة بيت لحم أيضاً، حيث كان والدها القس سعيد راعياً للكنيسة اللوثرية في مدينة بيت لحم منذ أواخر القرن التاسع عشر، حيث ترعرعت كريمة ونشأت بها وتعلمت، وكانت مولعة، كما يبدو من رسائلها الخاصة، بزيارة استوديوهات التصوير الفوتوغرافي في المدن الكبيرة، كالقدس ويافا وحيفا، حيث تعلمت هذه الحرفة عند كبار المصورين في القدس كما ظهر في أحد الإعلانات الدعائية في صحيفة الكرمل في حيفا سنة 1931، والذي أظهر كريمة عبود كأول مصورة وطنية بفلسطين، وأنها تعلمت هذا الفن الجميل عند كبار المصورين في فلسطين. ولا نعلم شيئاً حول شخصية هذا المصور، ولكن أغلب الظن أنه من المصورين الأرمن ممن كانت لهم بصمات ومساهمات في هذه الحرفة بفلسطين، منذ منتصف القرن التاسع عشر.




 
 
 
                                                                                                                                            الملاحظات  
 
(1)
ترك سليم عبود مجموعة أوراقاًَ ويوميات كثيرة نسبياً، دوّن فيها يومياته وتاريخ انتقال العائلة من الجنوب اللبناني إلى فلسطين في منتصف القرن التاسع عشر، وعيشتهم في مدينة الناصرة. وقد بقيت فترة مهملة، إلى أن تم نشر هذه المجموعة في كتاب يقع في 100 صفحة من القطع المتوسط سنة 1910، أي بعد سنتين من وفاته، بعد أن عني بتحريرها صديق العائلة القس أسعد منصور، مؤلف أول كتاب عن تاريخ الناصرة
 
 
.

(2)
 الطائفة الإنجيلية، ومعناها نور الإصلاح الديني الإنجيلي الذي وصل إلى شرقنا العربي. وصلت بوادر حركة الإصلاح الإنجيلي وكل ما رافقها من تعليم كنسي ولاهوتي وعلمي وثقافي إلى شرقنا العربي بعد حوالي ثلاثمائة سنة من بدء حركة الإصلاح الديني، التي أطلق شرارتها زعيم الإصلاح الديني مارتن لوثر، في القرن السادس عشر في ألمانيا. وحمل مشعلها ونشر رسالتها ومبادئها الإنجيلية، من بعده، نخبة ممتازة من رجال الدين وفي طليعتهم جون كالفن، المفكر والمبدع والمنظم للإصلاح وموطّد دعائمه في أوروبا الشمالية، لتنطلق أفكار الإصلاح الديني ومبادئه من هناك إلى جميع أنحاء العالم، بما فيها فلسطين.

אין תגובות:

הוסף רשומת תגובה